الاثنين، 28 ديسمبر 2009

بقلم : محمد علي كلياني/باريس

بقلم : محمد علي كلياني/باريس
عادت البلاد الى سابق عهدها من الحرب والدمار(الحرب الأهلية) بعد أن تبخرت تطلعا ت السلام وزيفت شعارات الوحدة الوطنية التي رفعها نظام ديبي في المؤتمر الوطني المستقل في 15يناير 1993م بانجمينا, وإصراره على الإنفراد بالسلطة والتحكم عليها قبلياً, وفشل البرنامج الديمقراطي الذي نادى به.. وإفراغه نظم التعددية الحزبية من كل معنى ..وذلك ببروز الأصوات المعارضة سلمياً وعسكرياً التي تطالب بالإصلاحات الشاملة في شتى مستويات الحكم (تقاسم السلطة والثروة ..الخ).. فمنذ أن رفض النظام الإصلاحات فواجه عدة حركات احتجاج مسلحة تطورت الى تهديد سلطته, فقد كان ذلك إيذاناً بظهور تمرد أبناء الحجار بقيادة الراحل ملدوم بدا عباس 1991م , ومروراً بمجموعتي العقيدين لوكن باردي وكتي نوجي موييس في الجنوب , وإنتهاءاً بحركة الراحل يوسف تقويمي والحركات السياسية والمسلحة التي تخوض الآن خمار الحرب الشرسة في الشمال والشرق من البلاد , وأن عودتها إلى مسرح القتال تكشف عن ضبابية الموقف السياسي في البلاد, ليس في عجز أجهزة الدولة الديبية القبلية فحسب , بل إنما ترجمة واضحة عن فشل النظام الذر يع عن تحقيق مطالب المواطنين الأساسية والتي تدفع الكثيرين إلى حمل السلاح كحد أدنى للتعبير عن تلك المطالب , وتزداد الحالة سوءاً عندما تجهض مشاريع التنمية الرئيسية, ويحتكر الرئيس وعشيرته السودانية والتشادية بناء هيئة القوات الوطنية المسلحة حسب طلبها على مقاس حماية الرئيس ومصالحها الذاتية وتظل عملية حمل الأسلحة الثقيلة والخفيفة ثقافة تقليدية تنفرد بها أسرة الرئيس, وتتباهى باستعمالها ضد المواطنين في الأغلب خارج نطاق القانون.. إذا كان النظام يعتقد أن صراع إقليم دارفور هو الذي عمق هوة النزاع الداخلي في تشاد, عليه أن يفهم جيداً, إن الحكومة في أنجمينا هي التي رشحت الأمور لذلك بتبديدها مقدرات الشعب التشادي في الحروب والفساد والمحسوبية, وذلك حينما سلك ديبي مسلك مناصرة القبيلة ودعمها بإفراط بقيادة د. خليل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة السودانية التي خرجت من رحم الحركة الإسلامية والذي عرف بقيادة كتائب المجاهدين في جنوب السودان..إذن فهو أحد خلايا شبكة الجهاد في القرن الأفريقي , و يرتبط صلات عرقية وتنظيمية مع أنجمينا, منها الإشراف على إنشاء تنظيمات مسلحة مشبوهة في تشاد كان تعمل ولازالت كمرتزقة لصالح ديبي لاحتواء الصراع الداخلي منذ العام 1990م والى يومنا هذا, والتي تم توجيهها فيما بعد إلى تأجيج صراع دارفور المستميت في شكل ثورة مسلحة تستخدم تشاد ورئيسها قاعدة خلفية للحرب ضد دولة جارة وشقيقة ( كان النظام محسوباً عليها في يوم ما), خاصة أؤلئك الذين ينتمون الى ديبي عرقياً (جيش واحد في بلدين) وذلك بهدف تمكينهم للسيطرة على إقليم دارفور لتلعب لاحقاً دور شرطي الحدود بين تشاد والسودان , وسد منافذ رياح التغيير السياسي التي تأتي من الشرق عندما يتسمم الجو السياسي فيها, وهو ما يسمح لديبي بالبقاء في السلطة والاحتفاظ بقوة الردع المزدوجة هذه (في ظل النزاع القبلي وتلاشي الشعور بالانتماء للوطن في البلدين) , وعندما تم كشف الأمر وفضح مخطط النظام عبر تقرير أعده خبراء الأمم المتحدة عن علاقته بما يجري في دارفور, فقام بافتعال نزاعات وهمية مع السودان لتحويل الأنظار عن ما يقوم به من تسليح وتجيش لقبيلته ومرتزقته الدار فوريين(عددهم 5000 جندي داخل الجيش التشادي), ومن ثم ألتف حول الديمقراطية وجعلها شعار فارغ المضمون باعتماده سياسة أكثر دهاءًا ومكراً بتعديل الدستور لإبقائه في السلطة مدة أكثر(معللاً بحدوث فراغ سياسي في البلاد وصوملتها في أسوء الحالات) , وهي سياسة إستلهاء سياسي لا يغفلها أي تشادي متبصر, وفي الوقت الذي يمكن للنظام أن يستفيد من الأخطاء الماضية لحسين هبري ويدخل التاريخ إذا قام بإرساء المبادئ الديمقراطية والإصلاح الشامل, بدلاً من تطيل النظم الديمقراطية واغتيال الديمقراطيين وهي قضايا أساسية يطمح إليها شعب تشاد أجمع بما يحقق لهم التحول الديمقراطي والعدالة الاجتماعية والتداول السلمي للسلطة , بدلاً من العجز والإفلاس السياسي وجر البلاد وأبناؤها إلى مأساة جديدة تنذر بحرب أهلية قادمة لا محالة في ظل تلك الظروف( ليس لأن إدريس دبي سار إلى أنجمينا قادماً من الشرق فأنه لن يكون بمقدور أي مغامر آخر فعل الشئ نفسه) وهو أمر طبيعي وممكن جداً بقراءة واقع الأحداث إذا ما أخذنا أحداث 13 أبريل كمعيار وأحداث محاصرة القصر الجمهوري ثلاثة أيام متتالية(فشل ديبي حتى في تأمين العاصمة أنجمينا من هجمات المعارضة المسلحة), كما يجب أن يعلم النظام أن اعتماد سياسة التنصل من التزامه السابق بإرساء المبادئ الديمقراطية وكذلك تفتيت الكيانات القبلية التاريخية بغية السيطرة عليها (التخفي وراء القبائل) , إضافة إلى شراء الناس بالأموال التي وفرتها له فرص مصادر النفط التي ينفقها هدراً يميناً وشمالاً لأجل الاستمرار في الحكم عبر تفشي المحسوبية واستشراء عمليات الفساد الواسع والتي قفزت إلى دول الخليج العربي لتسجل الأرقام القياسية ,هي سياسة لن تساعده على إطالة عمره في السلطة طالما بقي حسم الصراع في أنجمينا وحفرها أنفاق وقطع أشجارها العتيقة, وهذا يعني بصراحة أن سياسة الرشوة وتبديد الأموال التي كانت توجه لتمويل حروب داخلية وخارجية وشراء الأسلحة لمواجهة التمرد المتنامي غير مجدية تماماً, بل سيكون لها الآثار السلبية على الأوضاع بشكل عام , وعلى أي حال فان سياسة القمع المنظم والقوة القهر القبلي كما حدث لقبيلة القرعان وغيرهم بهدم منازلهم بأنجمينا لن تساعد النظام على الاستمرار والبقاء في السلطة كما يريد(وهذا واضح في هيجان الشعب باستهداف مصالح رموز الفساد في العاصمة في الأحداث الأخيرة). إضافة إلى تورطه الواسع ومنسوبيه في قضايا كل من أفريقيا الوسطى ودارفور والكنغو ورواندا ..الخ , كلها كانت نقاط سوداء ووصمة عار على جبين النظام والتي يعتبرها المراقبين إنه قد لعب بالنار فيها فعلاً ولن يحترق بها إلا هو ومن معه من تلك المجموعة العرقية التي أغرقها بالمال والسلاح والدعم اللوجستي وحرضها على القتال وهي لا تمثل سوى 2%من السكان في دارفور وتقل نسبتها قليلاً كل ما اتجهنا إلى تشاد أدنى من ذلك .. وبطبيعة الحال فإن الأحوال تزداد قتامه في انتظار تفجرا لبراكين أكثر من أي وقت مضى وتزداد الأمور سوءاً عندما تتدخل أطراف خارجية للدفاع عن كل هذا الهراء في ظل صارعها الإقليمي والدولي المتأطر منذ أزمان , فنجد أن فرنسا تريد فرض ديبي على التشاديين بالقوة العسكرية بكل هذ التناقضات بإرسالها قوات اليوروفور بدعاوي إنسانية, وكان ذلك جلياً في أحداث 13 أبريل 2006م بأنجمينا وكذا أحداث 1-3 2008م,( إما أنا أو الحرب ), لقد صدت القوات الفرنسية المتمركزة في تشاد قوات المتمردين بعنف في الحدثيين وأوقعت ضحايا من بينهم مدنيين ( بلغ عددهم600 شخص), وأن فرنسا بتدخلها العسكري لصالح نظام دكتاتوري دموي تكون قد أقحمت نفسها بالطول والعرض في الشأن الداخلي التشادي بالانحياز المطلق لدعم سلطة قمعية فاسدة ومتورطة في جرائم ضد البشرية في وسط القارة , وان فرنسا بتلك الخطوة أصبحت لا تراعي مصالح الشعب التشادي الذي ترنح من ويلات سياستها المزدوجة والتي عجزت منذ الاستعمار وحتى اليوم في المساعدة على تحقيق أدنى مطالب الشعب التشادي في الاستقرار والتنمية ( وهي طبعاً شريكة التنمية والاستقرار)!! وإلا فما معنى وجودها على الأرض التشادية أربعين عاماً ؟ لماذا لم توقف القتال بين حسين هبري وديبي على طول الشريط الحدودي بين تشاد والسودان وفي عمق دارفور أحياناً , وحروب تشادية أخرى استعرت على التراب الوطني سنوات عدة ؟ ألا تخشى من أن تداري فشلها الدولي في أفريقيا كلها بالوقوف إلى جانب الدكتاتورية المطلقة والقتلة في القارة, وقد كان بإمكانها فرض الديمقراطية والإصلاح على الأنظمة الدائرة في فلكها مثل الدعم اللوجستي والعسكري تماماً بدلا ًمن البحث عن مسوغ أممي غير ملزم لإبقاء الدكتاتوريين ضمن مصالحها(عبر تقديمها لمشروع قرار للأمم المتحدة لإيجاد قوات دولية لحماية هؤلاء الدمويين) ؟.أن الضابط الفاسد إدريس ديبي قد قدم لفرنسا خدمات جليلة بأفريقيا ليكون مخلب قط للدمار والتخريب في المنطقة " الكنغو الديمقراطية , برازافيل ورواندا , أفريقيا الوسطى ودارفور", بالإضافة إلى جعل بلاده تشاد ثكنة عسكرية للقوات الفرنسية في إفريقيا والتي كانت قضية سحبها من القارة كان ولا تزال تورق موضع القيادات العليا فيها رغم تعزيزها بالاتحاد الأروبي (يوروفور) وهي ترى أن وجودها بتشاد وأفريقيا المركزية يرتبط بعهد استعماري قديم تتشبث به كإرث عريق وماضي وحيد بقي للفرنسيين في القارة الأفريقية والتي استعمروها ردحاً من الزمان والذي يعود إلى عقود التحرر الفرنسي من تسلط ألمانيا النازية, وتلك العقلية كانت ولا تزال مترسخة في عقيدة الجيش الفرنسي منذ أبعين عاماً عملاً بمبدأ التدخل العسكري لحل الخلافات في الدول الأفريقية من باب المصالح الفرنسية فقط !! وأن فرنسا بذلك تريد استنساخ قيم سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ذاتها في القارة الإفريقية رغم انتقادها لذلك دون حياء (مما يجعلها في وضع صعب ومحرج في آن واحد أمام الضمير العالمي الذي ظل يراقب و تفرج) !! تلك السياسة القديمة المتجددة لفرنسا الحديثة في إفريقيا رغم تعهد ساركوزي لمنتخبيه بمقاطعة السياسات السابقة, إلا أنها جعلت الكثيرين من الساسة التشاديين , وفي دول المنطقة العزوف عنها والبحث عن حليف بديل لهم في فضاء عالم المصالح الساشع , على النحو الذي تتذرع به فرنسا بأن المتمردين التشاديين في الشرق قد تلقوا دعماً عسكرياً من الصين الشعبية وروسيا باستعمالهم أسلحة روسية وصينية الصنع , بدلاً من الفرنسية والأمريكية, الأمر الذي قد يدفع بالولايات المتحدة هي الأخرى إلى التدخل في حلبة الصراع الإفريقي لحماية مصالح شركاتها النفطية الكائنة في حقول "دوبا "التشادية في قلب إفريقيا على طريقة (حث أعضاء الكونغرس الأمريكي ديبي إلى عدم طرد الشركات البترولية من تشاد), وذلك بموجب استعار وتيرة السباق الدولي التقليدية للقوى الدولية في المنطقة, خاصة وأن الصين قد أعادت علاقاتها بقوة مع أنجمينا بعد قطع العلاقات التايوانية التشادية وتلك هي أيضاً تعد هزيمة نكراء لأمريكا في تشاد والتي كانت تبحث (لتايبي)عن مسوغ في القارة لدعم مواقفها الانفصالية عن الصين الشعبية, وذلك بإقامة علاقات مع دول يلهث قادتها وراء المساعدات المالية دون الاكتراث لما قد يحدث لاحقاً من تبعات ذلك (ديبي وسط تيارات متعاكسة) , ويشكل الأسلوب المخزي الذي أتخذه نظام ديبي بإعادة العلاقات التشادية الصينية صفعة قوية على وجه فرنسا حليفته مباشرة , وأروبا بصورة تلقائية , وهو بذلك يحاول بيأس بألا تدعم الصين المتمردين التشاديين ضده , وهي خطوة يأمل ديبي من خلالها قطع الطريق أمام معارضين له يسعون للتحالف مع الصين بل مع العالم الذي بدأ يتخوف من نظامه الذي لا يستطيع حماية المصالح الدولية حتى في العاصمة القومية لتشاد, وبتلك السياسة أصبح النظام يفقده وعيه بانتهاجه سياسة انتحار تدريجي يرى إنها تساعده على إطالة عمره في السلطة , ويكشف تخبط ديبي أيضاً عن خلل كبير في موازين القوى الدولية والإقليمية وعوامل جيو سياسية (قلب نظام أفريقيا الوسطى والتوتر مع السودان وعمليات الشد والجذب مع البنك الدولي والشركات النفطية والتوتر المستمر مع حليفه السابق السودان..الخ ), كلها عوامل تكشف عن عدم استطاعة ديبي على الصمود أمام هذه التحديات التي تواجهه على الصعيد الإقليمي والدولي" قطع العلاقات التشادية - الصينية والتشادية - السودانية وإعادتها وفق معاييره الخاصة "والتي قد تضع علامات استفهام حول مستقبل سياسته في المنطقة , وأيضاً مع حلفائه الفرنسيين والأمريكيين على حد سواء (حث الفرنسيين ديبي الخروج من العاصمة خوفاً على سلامته) والذين يخشون مد وازدياد النفوذ الصيني في إفريقيا والانتشار السريع لها وتوسع النزاع المسلح والذي من المحتمل أن يفرخ عمليات الإرهاب في القارة الأفريقية (مع ظهور بوادر في دارفور وشمال أفريقيا), وهنا تكمن مفارقة تجعل من ديبي وحلفائه في وضع مؤلم للغاية , حينما يصل الجميع الى قناعة مفادها أن الطريق أمامنا مسدودة وانتهت في أمواج المياه وتياراتها العاتية, وأن ذروة الأحداث ومنعطفاتها ما زالت تتلاحق ووقائعها تسير بسرعة تفوق الخيال , وربما يقود التفكير في ذلك كله في نهاية المطاف وبحكم المصالح والواقع على الارض بأن يسعى الكل إلى التخلص من الآخر بالطريقة المعروفة (فك ارتباط تعسفي), وهي الطريقة التي تعتبر أقسى بكثير من هجمات المعارضة المسلحة وغاراتها في الشرق على نظام السيد/ إدريس ديبي في قصره بأنجمينا والذي عشم في غزوه حتى صعاليك العاصمة التشادية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق